27 - 06 - 2024

وجهة نظري | تذكرة أتوبيس

وجهة نظري | تذكرة أتوبيس

لم يلتفت كثيرون إلى تلك الورقة البسيطة التي علقها أحدهم على "المينى باص" معلنا زيادة التذكرة إلى "عشرة جنيهات".. فجاءت ردود الأفعال تمزج بين الصدمة والغضب والحيرة والتوهان.

همست فتاة صغيرة بينما تحمل حقيبة مدرستها في يد، وتتحدث لصديقتها من خلال المحمول باليد الأخرى: "مش عارفة حا أقول لأمى عن الزيادة الجديدة إزاى! دي لسة مصوتة الصبح وهية بتدينى فلوس الدروس والملازم والمواصلات! باين عليا حكملها منازل معدش حيلة أهلى أكتر من كده يتحملوه"!!

"عندك حق والله يابنتى" .. رد عليها رجل في عمر والدها معتذرا عن سماعه ماقالته دون قصد، بينما واصل حديثه مع نفسه: "ده أنا مكملتش مشوارى وحصلت الزيادة في سعر التذكرة، رحت التأمين علشان أصرف الدوا وياريتنى لقيته ورجعت وأنا خايب الرجا وباأحسب إزاى ممكن أتحمل شراء الدوا الغالى فلقيت التذكرة غليت كمان.. حيحرمونا ننزل الشارع كمان .. حنفضل مسجونين في بيوتنا علشان منصرفش ..نروح فين بس ياربي"!!

على مسافة ليست بعيدة منه صرخت سيدة مسنة: "يعنى إيه تغلوا التذكرة تانى .. طيب إحنا نجيب منين .. حرمنا نفسنا من الأكل عشان ولادنا حتى الدوا بنستخسر نجيبه نقول إحتياجات البيت أولى واللى يحتاجه ولادنا ندفعه حتى من صحتنا! بس معدش في حيلتنا حاجة نقدمها لهم خلاص ..الغلا كمل على اللى ورانا واللى قدامنا كمان، ومفيش رحمة .لا وكمان مفيش أمل نعيش عليه وكل الكلام اللي بنسمعه معدناش بنصدقه.. بيقولوا الدنيا حترخص والأمور حتتحسن والغلابة أحوالهم حتتصلح وإحنا بنرد بجملة واحدة "موت ياحمار"!!

ويرد عليها راكب آخر في غيظ: "محدش حاسس بينا ولا بكسرة نفسنا قصاد ولادنا .. أنا مبقتش عارف أواجه ولادي بأى وش .. بقيت أستخبى منهم لغاية ما أقدر أجيب لهم اللى هما عايزينه .. إحساس العجز قاتل .. ميعرفوش أد إيه شعورنا بالضعف وقلة الحيلة وإحنا مش قادرين نكفى بيوتنا ..إحساس صعب بيكسر ضهر أي راجل مهما كانت قوته وقدرته على التحمل".

تبادل الجميع الشكوى بينما اكتفى آخرون بالصمت .. يتابعون بعيون حزينة ما يدور حولهم بأسى، بينما تشى وجوههم بهم أكبر تعكسه حركة أجسادهم القلقة، وأياديهم التي تبدو وكأنها تعيد الحسابات علها تنجح في ضبط الميزانية المختلة والتي ستزيدها إختلالا تلك الزيادة الطارئة في التذكرة.

هي بالطبع ليست وحدها تلك الزيادة التي أصابتهم بالصدمة، فالفزع يلاحقهم مع كل خطوة يخطونها لشراء أي سلعة. لحوم، دواجن، أسماك، جبن، ألبان، سمن، سكر، زيت، وزبادي. كل لحظة تقفز الأسعار بلا ضابط ولا رابط ولا مراقب ولا معاقب.

تظل القفزات المجنونة في ازدياد مهددة عقول المطحونين بجنون أكبر، لولا لطف ربنا ونفحات شهر كريم على الأبواب وأيادى مرتفعة في رجاء وتضرع "ارحمنا برحمتك يارب".
-----------------------------
بقلم: هالة فؤاد

مقالات اخرى للكاتب

وجهة نظري | إنسانية اللا عرب





اعلان